علمني السرطان كيف أتواضع بأحلامي ، وببهرجات الحياة المزيفة ، علمني كيف أقارن بين الموجود واللاموجود باسشعار مليء بالعبودية ، وعلمني كذلك أن معارك الأرض لا تُعد شيئاً أمام معركة المرض وقوته وشراسته .
علمني السرطان كيف أحرص على الاهتمام الدوري بصحتي وان الإهمال هو العدو الحقيقي الذي يتسلل إلينا خفية دون أن نشعر .
علمني حقيقة الحب الصادق والحب المزيف ، وحقيقة العطاء وماهيته ، وأن اللسان قد يبني بيوتاً شاهقة الارتفاع فإن وافقه الفعل ثبت واستوى أمداً بعيداً ، وإلا خار وانهد على صاحبه .
علمني السرطان أن الأُسرة هي المأوى الحقيقي الذي نلجأ إليه عندما تشردنا المواجع فلا أمان للروح بدونها ولا يخفف آلامنا إلا حضنها.
علمني معنى القوة الحقيقية للإنسان وكيف تنبع من داخله ، وان الانهزام لغة الضعفاء فإن اشتد عود دينك وأملك وعزيمتك ستفوز بإحدى الجائزتين اما النجاة منه في الدنيا أو نيل وعد الله كما قال تعالى في سورة الزمر ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)
وثواب الله ممتد في الدنيا والآخرة حياً وميتاً .
علمني السرطان كيف أُحب لقاء الله مهما كانت ذنوبي ، وكيف اشتاق إليه ، وكيف أهيء نفسي لما بعد الموت ، وان الخير الجزيل ينتظرني بين يدي ربي تبارك وتعالى . وان حسن ظني بالله هو سلاحي الذي استخدمه عندما يجتاحني خوف الزوال والتلاشي .
علمني كيف اتحمل الخذلان ، وكيف أواجه التحديات ، وان الانسان ما دام له قلبٌ ينبض فهو عضوٌ فاعلٌ في المجتمع يُعطي ويشارك ويترك بصمة له يُحب أن يرى أثرها فيمن حوله .
علمني أن الحب هو لغة طاهرة عفيفة شامخة بين اثنين مُحبَين ، صالحة متجددة ما دامت هذه العلاقة قائمة ، حتى ولو صوروها لنا في برواز من الرومانسية الهشة الهزيلة ، الحُب هو أن تشارك من تحبه في نبضات شعوره ، وفي أنّات وجعه ، ميثاقه غليظ ، وقُدسيته متبلورة كجوهرة نادرة باهضة الثمن .
شيء من قليل نهلته من مدرسة هذا المرض الذي أسموه (خبيثاً) وما زال للعلم بقية .